باتفاق 80 منظمة إسلامية حول العالم
القاهرة.. إعلان ميثاق الأسرة في الإسلام
أعلنت اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل إحدى المنظمات الأعضاء بالمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة الذي يضم 80 منظمة إسلامية عن أول ميثاق للأسرة من وجهة نظر إسلامية أسمته "ميثاق الأسرة في الإسلام".
وأكدت المهندسة كاميليا حلمي رئيس اللجنة خلال الإعلان عن هذا الميثاق -ضمن فعاليات اجتماع الهيئة التأسيسية التاسع عشر للمجلس الإسلامي الأربعاء 6-9-2007 بالقاهرة- أن هذا الميثاق تم إعداده خلال السبع سنوات الماضية من أجل أن يكون دليلا ومرجعا للمجتمعات الإسلامية ومنظماتها الأهلية ولحكوماتنا.. وردا على مواثيق الغزو وأيدلوجياته التي تحاول اجتياح حصن الأسرة.
وأشارت إلى أن الميثاق تم إعداده بدعم من البنك الإسلامي للتنمية وبجهود العلماء التطوعية، ليكون أول ميثاق إسلامي يتناول حقوق وواجبات كل فرد من أفراد الأسرة مستمدة من الشريعة الإسلامية، في ظل ما تتعرض له مجتمعاتنا الإسلامية من موجة عادية تستهدف الأسرة بانتهاك منظومة قيمها التي حددتها الشريعة الغراء.
وأضافت أن ميثاق الأسرة في الإسلام الذي يعد أول ميثاق إسلامي يتناول حقوق وواجبات كل فرد من أفراد الأسرة، وأن اللجنة تتقدم به إلى الرأي العام الإسلامي؛ للاستعانة به عند إصدار التشريعات الخاصة بالأسرة، وكذلك عرضه على المنظمات الدولية للتصدي لما يخالف قيمنا.
فكر شيطاني
من جهته أوضح الدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي أهمية هذا الميثاق قائلا: "نحن أمام فكر شيطاني بكل ما في هذه الكلمة من معان دقيقة يطل علينا ليجتاح عالمنا وعالمنا الإسلامي على وجه الخصوص، كان بدايته في مؤتمر السكان عام 1994، والذي دعا الحكومات والمؤسسات المختلفة وحتى الدينية منها إلى تغيير هياكل الأسرة لتكون قائمة ليس على زواج فقط وإنما على أي لقاء بين رجل وامرأة".
واستطرد أن ما يجعل هذا الميثاق مهما هو ضرورة مواجهة الأفكار التي نجح أعداء الإسلام في تأصيلها كدعوة تحريم الزواج المبكر، واعتبار النشاط الجنسي حقا من حقوق الجسد، وأكد أن هذا كله فكر شيطاني حقيقي يظهر أبشع وجوه الحضارة الغربية التي تريد بالعولمة اجتياح منظومة القيم التي اتفقت عليها كل الديانات السماوية.
ولفت إلى أن هذا الميثاق جاء الآن ليواجه الحملة الشرسة التي تجتاح الأسرة وهي اللبنة الأولى للأمة، حيث إن الأسرة هي الأمة المصغرة فإذا ضاعت الأسرة نكون كالأمم التي تعاني من الانقطاع ومن مشاكل عديدة أهمها العزوف عن الزواج، وخوف المجتمع من الانقراض نتيجة لهذا.
واعتبر الدكتور عمارة أن هذا الميثاق موقف منهجي أمام الفكر الشيطاني، وقال: "لا داعي أن نقف عند الولولة والصراخ أمام تلك الحملات التي تستهدف قيمنا، حيث لا بد أن نقدم البديل، وعليه فاللجنة التي أشرفت على ميثاق الأسرة في الإسلام اتخذت موقفا إيجابيا لتقديم البديل ليكون هناك دستور للأسرة".
ولفت إلى أنه لا يعتبر هذا الميثاق للأسرة المسلمة فقط وإنما لجميع الأسر، وقال: "آن لنا أن نعلنها صريحة أن الوحدة الوطنية في دولنا تستلزم وحدة القانون ووحدة المدرسة ووحدة المحكمة، خاصة أن إخواننا المسيحيين في بلادنا ليس لديهم قانون أحوال شخصية متميزة ومرجعهم باعترافهم بأن أحكامهم في الأحوال الشخصية مأخوذة من الفقه الشافعي، وعليه فلا بد أن يكون هذا الميثاق مرجعا للأسرة المسلمة ولكل أسرة تريد أن تلتزم بقيم الديانات السماوية التي لا خلاف عليها".
وطالب بضرورة أن تتم ترجمة هذا الميثاق، إلا أنه رشح أن تتم ترجمته أولا للغات الشرقية الإسلامية ليتم تحصين الأسرة المسلمة الشرقية ثم يترجم للغات الغربية، وقال: "لا يهمنا بالدرجة الأولى الغرب، فعلينا أن نحصن أمتنا أولا ثم نقدمه لمن يشاء أن يهتدي، أتمنى أن يكون هناك اهتمام إعلامي بهذا الميثاق، كما أتمنى على صفحات الفكر الديني أن تنشر هذا الميثاق مسلسلا حتى لا يكون في نطاق محدود ويحمله الإعلام لنطاق أوسع".
محتويات الميثاق
من جانبه عرض د.عبد اللطيف محمد عامر أستاذ الشريعة بكلية الحقوق بجامعة الزقازيق وعميد كلية الشريعة بجامعة إسلام آباد سابقا محتويات الميثاق، لكنه أوضح بداية أن ميثاق الأسرة يصدر في الظروف الحالية كاشفا وليس منشئا؛ لأنه لا يكشف عن مبادئ جديدة وإنما يجدد الصلة بالمبادئ القديمة الحديثة الثابتة من نصوص قطعية من كتاب الله وسنة رسول الله ولكنه يصدر في هذه الآونة ليواجه فكرا غريبا غربيا عن مفهوم الأسرة فهو ليس بديلا عن المواثيق الغربية وإنما مواجه لها.
وأضاف أن هذا الميثاق يتكون من 164 مادة موزعة في 5 أبواب ومذكرة تفصيلية لها حيث يتناول الفصل الأول مبادئ وقيما ومفاهيم عامة ويعالج تكريم الله للإنسان وتفضيله على كثير من خلقه، وإعداد هذا الإنسان لحمل رسالة الله ونشرها، والتساوي في أصل الخلقة، وتنوع الخصائص العامة، كما يتناول تكامل الزوجين الذكر والأنثى مع اعتبار الخصوصيات لكل منهما في الدين، وتوزيع المسئوليات وتبادل الأدوار بناء على هذه الخصوصيات قيام البناء الفكري الاجتماعي للبناء الأسري والزواج، وبيان المفهوم الشامل لمعنى الأسرة.
وأوضح أن الباب الثاني يتناول مسئولية الأمة عن تكوين الأسرة وحمايتها ويتحدث عن مسئولية الأمة عن تشجيع الشباب لتيسير سبيله وحل مشكلاته، وتحديد المسئولية في تحديد مقاصد الشارع في قيام الزواج وبقائه وحماية الأسرة من الانهيار، واستيفاء عقد الزواج بشروطه، والعناية بالإشهاد على الزواج والإشهار، وهو ما يعني محاربة الأشكال غير مشروعة للزواج والتصدي للتصوير الخاطئ الذي يجعل علاقة الرجل بالمرأة علاقة صراع، والتخير للنطف لأن العرق دساس وتضيق الطلاق، ومراعاة الأعراف والتقاليد المتفقة مع مبادئ الإسلام، ودعوة الأهل إلى التدخل بين الزوجين في حالة الشقاق وإقرار الحقوق وتحديد الواجبات بين كل من الزوجين.
أما الباب الثالث فيعرض لنشوء العلاقة بين الرجل والمرأة منذ بدايتها للخطبة حتى الموت، فيتناول الخطبة والآثار المترتبة عليها، والآثار المترتبة عن العدول عن الخطبة، وعقد الزواج وتحديد الزواج الناجح، وضوابط العلاقة بين الزوجين في فهم المقصود بالمساواة وتحديد مسئولية كل من الزوجين، وضوابط الخلاف بين الزوجين في الاعتراف في الوقوع في هذا الخلاف، ودور الأهل في تضييق شقته أو القضاء عليه، وبيان أسلوب التعامل بين الزوجين.
بينما يتناول الرابع حقوق وواجبات الطفل في الإسلام وأوضح الدكتور عبد اللطيف أن هذا الباب أتى ليعرض العناية بالطفل منذ بدأ تكوين الأسرة، وتوضيح أن الطفل مطلب إنساني طالبت به الشريعة عندما أكدت على طلب الذرية لحفظ الجنس البشري.
وأشار إلى أن هذا الباب يشير أيضا إلى أن العناية تبدأ منذ اختيار وعاء النطفة وهي الأم، كما يتناول الحريات والحقوق الإنسانية العامة للطفل منها التعليم المتوازن للطفل، ومراعاة المصالح الأفضل للطفل بأن تتخذ مؤسسات المجتمع لتدبير هذه المصالح وحمايتها.
وأوضح أن الباب الخامس يتحدث عن الانتقال من الأسرة الصغرى إلى الأسرة الكبرى ويعرض لمعنى التكامل الاجتماعي ومكانته في الإسلامي ويوضح أن التكافل الإسلامي يشمل دوائر متماثلة حتى يشمل المجتمع كاملة، كما يتعرض لفضيلة صلة الرحم وتنوعها بين الفرضية والوجوب والندب تبعا لنوع القرابة، كما يتناول المواريث في الإسلام.
وأشار إلى أن الميثاق ينتهي كله بذكر أحكام عامة في الوصية وأحكام عامة في الوقف وأساس مشروعيته وشروطه، كما يؤكد في هذا على الوقف الأهلي الذي يؤدي إلى توثيق روابط الأسرة في الوقف، مؤكدا أن هذا كله من أجل بناء الأسرة تحت مظلة الإسلام الطيبة.
تدريسه بالجامعات
الدكتور أحمد المهدي عضو هيئة إعداد الميثاق لفت في كلمته عن الميثاق إلى أنه جاء في الوقت المناسب التي تحاول فيه الإمبراطوريات الكبرى أن تقود العالم باسم العولمة التي هي في أبلغ الأحوال أمركة وهي في حقيقتها "أسرلة" يراد منها أن تنصرف الأمم عن جوهر ثقافتها وصميم علاقتها لتكون في ركاب تلك الدول ثقافيا.
وأكد أن صدور هذا الميثاق سيعد سلاحا من أسلحة الممانعة والمقاومة التي ينبغي أن نتمسك بها لكي نتمكن دائما من ترسيخ ثقافتنا العربية والإسلامية ونطور هذه الثقافة من خلال الثقافة نفسها وليس من خلال ما يملى علينا من دعاة العولمة من داخل وخارج البلاد العربية والإسلامية الذين غرتهم الثقافة الغربية، فيحاولون أن يتحدثوا على الوجه الذي يرضي الثقافة الغربية ومن لديه المال الذي يوزعه على هؤلاء الناس باسم تجديد الخطاب الديني والثقافة ومحاولة اختراق الأجهزة التعليمية والإعلام في البلاد العربية.
وشدد على أن هذا الميثاق موجه لنا وليس للآخرين ليعيد ثقافتنا ويحدد العلاقات، ويمكن أن يكون دليلا لطلاب الدراسات الإسلامية في كل الجامعات العربية كما ينبغي أن تهتم وسائل الإعلام العربية بإذاعة هذا الفكر.
أما الدكتور بدر عبد الرازق الأمين العام المساعد بالمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة فقد أكد أن اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل رفعت الحرج عن المنظمات الإسلامية في أن بلورت ميثاقا يحمي الأسرة من خلال رؤية إسلامية واضحة ومتكاملة تحمي الأسرة على مختلف أشكالها من الضياع.
وطالب بأهمية أن تكون هناك مواثيق أخرى من وجهة نظر إسلامية في مجالات الحوار وحقوق الإنسان وفي الإعلام، وفي التأصيل الفكري، باعتبار أن مثل هذه المواثيق تقفز بالعمل الإسلامي للأمام.
يذكر أن هيئة الإعداد للميثاق تضمنت الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس مجلس الإفتاء الأوروبي الدكتور على جمعة مفتي مصر، والدكتور أحمد العسال نائب رئيس الجامعة الإسلامية العالمية بباكستان، والدكتور أحمد المهدي عبد الحليم الأستاذ المتفرغ بكلية التربية جامعتي الأزهر وحلوان، والدكتور جمال الدين عطية مستشار مجمع الفقه الإسلامي بجدة، والدكتور صلاح عبد المتعال أستاذ علم الاجتماع ومستشار البحوث الاجتماعية والجنائية، والدكتور عبد الرحمن النقيب أستاذ أصول التربية بجامعة المنصورة، والدكتور عبد اللطيف عامر أستاذ الشريعة بكلية الحقوق بجامعة الزقازيق، والدكتور فتحي لاشين المستشار بوزارة العدل، والدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي وعضو مجمع البحوث الإسلامية، والدكتور محمد كمال إمام أستاذ القانون المقارن بكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية، والدكتورة مكارم الديري أستاذ مساعد الأدب والنقد بجامعة الأزهر، فيما تكونت لجنة الصياغة من كل من الدكاترة فتحي لاشين، وجمال الدين عطية، وعبد اللطيف عامر، بالإضافة إلى عدد من العلماء الذين شاركوا بملاحظاتهم على الميثاق.
[/center]
[/center]