وبالوالدين إحسانا
إن من أعظم الروابط بين الناس رابطة خصّها الشرع الحنيف بمزيد من الاهتمام والذكر بل لقد جعلها من فرائض الدين الكبرى فأمر بوصلها والإحسان إليها والقيام بحقها ورتب عليها أعظم الأجر وأزكاه, وفي المقابل حذر من المساس بهذه الرابطة الوثيقة والإخلال بها والاعتداء عليها حتى ولو بأدنى لفظ أو نظر.
تلكم الرابطة هي ما يجمع كلاً منا بأصله الذي جعله الله تعالى سبباً لوجوده، رابطة الوالدين حيث إن شأنهما عظيم وحقهما كبير ولسنا في مقامنا هذا نعلم جاهلاً بحقهما فالكل يعلم هذا الحق، ولكنا نذكر بهذا الحق العظيم الذي قرنه الله بحقه سبحانه في أكثر من آية في كتابه قال تعالى: : {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: {فلا تقل لهما أف} أي لا تسمعهما قولاً سيئاً حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ {ولا تنهرهما} أي ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح كما قال عطاء بن أبي رباح في قوله (ولا تنهرهما أي لا تنفض يدك عليهما).
ولما نهاه عن الفعل القبيح والقول القبيح أمره بالقول الحسن والفعل الحسن فقال: {وقل لهما قولاً كريماً }أي ليناً طيباً حسناً بتأدب وتوقير وتعظيم{واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} أي تواضع لهما بفعلك {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً} أي في كبرهما وعند وفاتهما".
لقد أكثر الله من ذكر شأن الوالدين وأوجب الإحسان إليهما لفضلهما وعظيم معروفهما على ولدهما, ولقد جاءت نصوص السنة متضافرة في الدلالة على هذا الحق العظيم فمن ذلك ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: {الصلاة على وقتها قلت ثم أي؟ قال بر الوالدين قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله} متفق عليه.
فبر الوالدين مفتاح كل خير ومغلاق من كل شر فهو من أعظم أسباب دخول الجنة والنجاة من النار ثم هو دين يدخر لك في ذريتك حين ترى ثمار برك بوالديك قد أينعت في ذريتك فكما تدين تدان.
وبر الوالدين سبب في بسط الرزق وطول العمر وكذلك سبب في دفع المصائب كما جاء في خبر أصحاب الغار. كما أنه سبب في إجابة الدعاء كما جاء في صحيح مسلم في خبر أويس القرني أنه كان باراً بأمه. إلى غير ذلك مما هو مدخر للبار بوالديه من خيري الدنيا والآخرة